مقولة مخلدة في العتاب

عندما يكون الشخص على حافة الانهيار النفسي فإنه يحتاج للاحتواء أكثر من حاجته للنصح والعتاب.





في الخواطر

اعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوف إلى عواقب أمورهم، وعلم ما يحدث لهم من حياة وموت وخير وشر، سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا، ومعرفة مدد الدول أو تفاوتها.

والتطلع إلى هذا طبيعة للبشر مجبولون عليها؛ ولذلك نجد الكثير من الناس يتشوفون إلى الوقوف على ذلك في المنام.

والأخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك من الملوك والسوقة معروفة.

ولقد نجد في المدن صنفاً من الناس ينتحلون المعاش من ذلك لعلمهم بحرص الناس عليه، فينتصبون لهم في الطرقات والدكاكين يتعرضون لمن يسألهم عنه، فتغدو عليهم وتروح نسوان المدينة وصبيانها، وكثير من ضعفاء العقول يستكشفون عواقب أمرهم، في الكسب والجاه والمعاش والمعاشرة والعداوة وأمثال ذلك، ما بين خط في الرمل ويسمونه (المنجم)، وطرق بالحصى والحبوب ويسمونه (الحاسب)، ونظر في المرايا والمياه ويسمونه (ضارب المندل).

وهو من المنكرات الفاشية في الأمصار؛ لما تقرر في الشريعة من ذم ذلك، وأن البشر محجوبون عن الغيب إلا من أطلعه الله عليه من عنده في نوم أو ولاية.

وأكثر ما يعتني بذلك ويتطلع إليه الأمراء والملوك في آماد دولتهم، ولذلك انصرفت العناية من أهل العلم إليه.

وكل أمة من الأمم يوجد لهم كلام من كاهن أو منجم أو ولي في مثل ذلك، من ملك يرتقبونه أو دولة يحدثون أنفسهم بها، وما يحدث لهم من الحرب والملاحم، ومدة بقاء الدولة، وعدد الملوك فيها، والتعرض لأسمائهم، ويسمى مثل ذلك (الحدثان).

وكان في العرب الكهان والعرافون يرجعون إليهم في ذلك، وقد أخبروا بما سيكون للعرب من الملك والدولة، كما وقع لشق وسطيح في تأويل رؤيا ربيعة بن نصر من ملوك اليمن، أخبرهم بملك الحبشة بلادهم، ثم رجوعها إليهم، ثم ظهور الملك والدولة للعرب من بعد ذلك.

وكذا تأويل سطيح لرؤيا الموبذان حين بعث إليه كسرى بها مع عبد المسيح، وأخبرهم بظهور دولة العرب.

وكذا كان في جيل البربر كهان من أشهرهم موسى بن صالح من بني يفرن، ويقال: من غمرة، وله كلمات حدثانية على طريقة الشعر برطانتهم وفيها حدثان كثير، ومعظمه فيما يكون لزناتة من الملك والدولة بالمغرب وهي متداولة بين أهل الجيل. وهم يزعمون تارة أنه ولي، وتارة أنه كاهن، وقد يزعم بعض مزاعمهم أنه كان نبياً، لأن تاريخه عندهم قبل الهجرة بكثير، والله أعلم.

إبن خلدون